التخطي إلى المحتوى الرئيسي

قراءة في كتاب فن اللامبالاة

اسم الكتاب: فن اللامبالاة
اسم الكاتب: مارك مانسون
صنف الكتاب : تنمية ذاتية
اسم المترجم للعربية: الحارث النبهان
عدد الصفحات: 272
دار النشر: منشورات الرمل.
سنة النشر: الطبعة الأولى بالعربية 2018، الطبعة الأولى في أمريكا 2016.
2 نبذة عن الكاتب :
هو مؤلف ومدوِّن أمريكي، من مواليد 9 يناير 1984 ترعرع في مدينة بوسطن بولاية تكساس الأمريكية، و التي أكمل تعليمه بها و تخرج من جامعتها أي جامعة بوسطن الأمريكية سنة 2007، ولج مانسون عالم التدوين و الكتابة سنة 2009 كمدون استشاري في المواعدة حيث أنشأ مدونة خاصة به يسوق فيها أعماله في المجال السابق ذكره ، ألف ثلاثة مؤلفات أشهرها كتاب "فن اللامبالاة".

3-مراجعة :
الكمال و النقص، السعادة و التعاسة ، المعاناة و الراحة ، الفشل و النجاح ، الموت و الحياة ثنائيات تصب جمعاء في قالب البحث عن الذات و ملامسة حقيقتها ، ثنائيات قلما نسطاع الموازنة فيما بينها و غالبا ما نميل للإيجابية منها لا السلبية ظنا منا أننا بذلك سنحيى بهناء ، لكن لنطرح على أنفسنا بضع أسئلة أيجدر بنا العيش بإيجابية مطلقة لنلقى طعم الهناء ؟ثم أيمكن أن يتحول البحث عن السعادة مصدرا للمعاناة ؟و هل الفشل حقا أمر سيء كما ندعي ؟ ثم أيجب علينا الهلع من الموت ؟
يجيب مارك مانسون على هذه التساؤلات بالتفصيل بين دفات كتابه المقسم لتسع فصول ، إذ تطرق لمفهوم المثالية في الفصل الأول من الكتاب و المعنون ب "لا تحاول " حيث استحضر قصة الكاتب بوكوفسكي(1)الملآى بالنجاحات و المثالية الممزوجة بطعم الحنظل إذ يبين لنا مانسون بأن بوكسفكي كان غارقا في بحر التعاسة رغم مثالية الحياة التي كان يعيشها و حسب مانسون إن كان هذا دليل على شيء فهو أن المثالية و النجاح لا تصنعان السعادة و الرضى ،و بوكوفسكي نفسه قد عرف حياته ب"أنا مجموعة من الانتصارات الصغيرة و الهزائم الكبيرة "(2)ويقول أيضا "ما الحياة إلا مشكلة"،هاتين القولتين تدعمان وجهة نظر مانسون فيما يخص المثالية بالحياة.
في الفصل الثاني من الكتاب المعنون ب "السعادة مشكلة " يتطرق مانسون لتصحيح مفهوم السعادة المتداول بين غالبيتنا و المنحصر في أنه هو ذلك الإحساس بالرضى من خلال التفكير بإيجابية لا غير ، إلى أنه هو ذلك الإحساس الناتج عن حلنا للمشكلات ببساطة بالنسبة لمانسون المشكلة هي ما تخلق السعادة و الرضى، و يمكننا أن نشير هنا لتعريف سوزان كولنز للسعادة "أحيانا يجب أن نجرب الحزن لنذوق السعادة ونخوض غمار المشكلات لنصل للرضى"(3)كما أنه أشار إلى السعادة قد تخلق من لاشيء و أنه ليس من الضرورة البحث عنها ففي نظره البحث عن مصدرها هو مدعاة لجلب التعاسة لا غير ،نستحضر هنا قول ديباك شوبرا "حاول أن تعتاد على السعادة بدون أسباب واضحة،فالطفل الصغير لا يحتاج سببا للسعادة ،لأنك لو تعوذت على أن تكون سعيدا لسبب ما ، فأنت في ورطة حقيقية لأنه يوما ما سيزول ذلك الشيء الذي يجعلك سعيدا و يرحل "(4).
كما أن مانسون قد أشار على أن الألم و المعاناة أمر مفيد من الناحية البيولوجية و أنها الواسطة المفضلة لدى الطبيعة للحث على التغيير ، و يمكن القول أن الألم و المعاناة من أهم مصادر الشجاعة و الشعور بالرضى ، يقول فيكتور فرانكل "هناك الكثير من الآلام والمعاناة مما يتحتم علينا أن نجتازه. لذا، فمن الضروري أن نواجه كل المعاناة محاولين الإحتفاظ بلحظات الضعف و بفترات الدموع المنهمرة إلى الحد الأدنى. و لكن ليس هناك من حاجة إلى الشعور بالخجل من الدموع، لأن الدموع تحمل دليلاً على أن الإنسان يحظى بأعظم شجاعة، وهــــي شجــــاعة المعـــانـــاة"(5).
يبين لنا مانسون في الفصل الثالث "لست شخصا خاصا مميزا " أن تقدير المرء لذاته أحيانا لا يعتبر إنجازا بقدر ما يعتبر وقودا لاشتعال مشكلة ما ،وقد فسر لنا هذا الأمر بصياغته قصة لشاب قدر ذاته لأبعد مدى من خلال التباهي بأهمية أفكاره الخارقة عن العادة و بأهمية شخصه و حياته ، و أن في نظره الناس أجمعين هم في حاجة إليه بيد أنه لم يكن على استعداد للمخاطرة و المجازفة قيد أنملة لتحقيق آماله ، الشيء الذي خلق له مشكلة في آخر مطاف حياته ، ففي نظر مانسون أن تقدير الذات مرتبط إرتباطا وطيدا بالتضحية من أجلها ، و يمكننا دعم هذه الفكرة بقول واين داير(6)قيمة الذات تأتي من اعتقادك أنك إنسان ذو قيمة و قيمتك هذه تأتي بالتضحية و المجازفة في سبيل تحقيق ذاتك ".
أما في الفصل الرابع "قيمة المعاناة "
ضرب لنا منسون مثالا في أهمية عدم الاكثرات لإرضاء الناس و السعي لكسبهم ، و ذلك عبر قصه لقصة أحد الجنود اليابانيين الذي سعى للمحاربة من أجل وطنه و كسبا لمرضاة إمبراطوره و شعبه في سبيل جعله أسطورة و أيقونة للوفاء ، لكنه و لسوء حظه قوبل بالجفاء من طرف البعض و الاحترام من البعض الآخر الشيء الذي يظهر أن "رضا الناس غاية لا تدرك "(7).يناقش المؤلف في الفصل الخامس"أنت في حالة اختار دائم" قصص ثلاث مشاهير تعرضوا لظروف خارجة عن إرادتهم و قد استثمر كل منهم هذا الأمر بطريقته الخاصة ، إختلفوا في الطريقة لكنهم تقاطعوا في نقطة التحكم بالألم ، ما فعله هؤلاء يعكس إدراكهم تحمل مسؤولية كل شيء في حياتهم ووجوب المحاربة من أجل تحسين أوضاعهم، حسب مانسون نحن نمثل الطرف المسبب لمأساتنا بقدر براءتنا في مأساة تسبب لنا بها الغير، ببساطة ما نواجه في حياتنا هو نتاج أفعلنا، يقول سام هاريس(8)في هذا الصدد "نعيش حياتنا كمشاهدين لأفعالنا لا أكثر".
لعيش حياة تخالف المألوف (بالإنجليزية: The Subtle Art of Not Giving a F*ck)
الفصل السادس "أنت مخطئ بشيء و أنا أيضا "
قد أشار المؤلف بهذه الفقرة على أن اليقين عدو التقدم و التطور ،و أن الشك هو ما يرسم لنا طريق السعي للصواب ، بمعنى أنه من الضروري البحث عن الخطأ في حياتنا فنحن بطبيعتنا عرضة لأن نخطئ لنصل للصواب و التغيير و الحكمة و ذلك من خلال الشك و الخطأ لا اليقين يقال "الشك مفتاح كل شيء "(9)و يقول بوليليوس سيروس (10)"الشك داء لكنه قد يعلم الحكمة".
تخيل معي أن هناك شخص يتقن أمرا أكثر منك هذا يعني أنه من المحتمل أنه قد فشل في ذلك أكثر مما فشلت ، مما يعني أن مقياس النجاح متعلق بعدد المحاولات الفاشلة و هذا ما أوضحه مانسون في الفصل السابع "الفشل طريق التقدم " من خلال إعطاءه مثالا للطفل الصغير الذي يتعلم المشي ، و يمكننا الإشارة لقول واين داير "دائما ما يكون النجاح محفوفا بالمخاطر فلا يمكن أن تحقق النجاح دون أن تسقط في سبيله عدة مرات ".
هل سبق و قلت "لا" لشخص ما ، أو رفضت يوما أمرا ما إن لم تفعل فدعني أخبرك أنك في نظر مانسون إنسان فارغ يعيش حياة بلامعنى و بلا قيم و غاية ، ففي هذا الفصل "أهمية قول لا " تطرق مانسون لشرح أهمية قول لا في حد معاناة أنت في غنى عنها ، و يقول بأن هذا النوع من الأشخاص هم أشخاص لا يقدرون ذواتهم تقديرا مستحقا .
الفصل التاسع و الأخير "و بعد ذلك الموت "
مما لا شك فيه هو أن الموت يخيفنا كحقيقة و حسب مانسون وجب علينا أن نتجنب التفكير فيه بعين الخوف و أن ننظر إليه من مرآة الشجاعة، فمما لا غبار عله هو أننا وجدنا لغاية غاية قد نعرفها في منتصف الطريق أو في أواخره أو يمكن عدم معرفتها ، المهم وجدنا لأجلها و هذا ما يجعل للموت أهمية فقد يعتقد البعض بأن فور موتهم ستنتهي قصتهم و ذلك لأنهم لم يدركوا الغاية من وجودهم أم من أدركوها فسيدخلون باب الخلود إبان موتهم ،يقال "يجعلنا الموت سواسية في القبر و ليس في الأبدية ".
رأي في الكتاب:
كتاب مثير للاهتما صيغ بأسلوب سلس و بسيط ، أما عن الترجمة فقد توفق الحارث النبهان لترجمته بطريقة مفهومة و احترافية ، عموما هو كتابك يدعوك للتفكر في دروب الواقعية و المنطقة .
اقتباسات :
"صراعتنا تحدد نجاحتنا ،و مشاكلنا تلد سعادتنا ، و الى جانبها تلد أيضا مشكلات أفضل قليلا".
"إن الطريق إلى السعادة درب مفروشة بالأشواك و الخيبات "
"لا يوجد شخص استثنائي ،لا أنت و لاأنا ، لا يوجد شخص مميز فالإحساس الزائد بالتميز يجعلك تنسى شعور الآخرين من حولك لا تنخدع نفسك بذلك"
"السبيل الوحيد لأن تحس براحة اتجاه الموت هو أن تفهم نفسك".
-----------------------------------------
إحالات و مراجع :
(1) :هنري تشارلز بوكفسكي شاعر و روائي و كاتب قصص أمريكية من أصل ألماني (ت1994)
(2):قصيدة لا تحاول (بوكوفسكي)
(3):سلسلة ألعاب الجوع،سوزان كولنز،ج2،ص25
(4):وصفات للسعادة القصوى،ديباك شوبرى،ص40
(5):الإنسان يبحث عن معنى ،فكتور فرانكل ،ص30
(6):واين داير ،مؤلف و محاضر أمريكي معاصر
(7):الإمام الشافعي
(8):سام هاريس:كاتب و مؤلف و عالم أعصاب أمريكي معاصر ، اشتهر بكتابه "نهاية الإيمان "
(9): مثل سائر فرسي
(10): بوليليوس سيروس:فيلسوف و كاتب مواعظ ذو أصول سورية 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فم الحصن)ايمي اكادير(

اسم المكان   : فم الحصن ) ايمي اكادير ( و تعني اصطلاحا مدخل السور و قد يرجع أصل التسمية حسب الرواية الشفوية إلى كون المدينة قديما تحت حصانة السور يحيط بها من جميع الجهات و لها مدخل واحد  . تحديد الجغرافي للمدينة   : ينتمي فم الحصن إلى الجنوب الشرقي للمغرب جهة سوس ماسة درعة إقليم طاطا  , تقدر مساحة المدينة بحوالي 40 كلم مكعب   بحيث يحدها من الجنوب الحدود الجزائرية و من الغرب مدينة أسا و شرقا مدينة طاطا ثم شمالا سلسلة جبال باني  . تتميز المنطقة بمناخ شبه قار , جاف و حار صيفا و بارد و جاف شتاءا  . تصل دراجة الحرارة صيفا إلى 49° و شتاءا 12° دنيا . يتمييز مجال فم الحصن بتنوع للوحدات التضاريسية فهو يمثل حلقة وصل بين الصحراء وجبال الأطلس . نبرة تاريخية عن المدينة   : تتألف المدينة من قبائل الامازيغية و أخرى عربية صحراوية ) ايت سلام و ايت امريبط ( قادمة من المشرق إضافة إلى العنصر الأفريقي   الذي كان متواجد مند القدام حسب الدراسات الاركيولوجيا ) على لسان الاستاذ ذ  . بوعجاجة ( , لتفرز تركيبة بشرية حضارية تتميز بالتنوع...

الباحث إبراهيم الحيسن في مؤلفه "رقصة الكدرة ..الطقوس والجسد", فن الكدرة و الهرمة,

تعتبر رقصة "الكدرة " أحد التعبيرات الفنية الايقاعية التي كانت تمارس بشكل واسع بالصحراء وتحديدا بمنطقة وادي نون، غير أنها أضحت من وسائل الطرب النادرة في المجتمع الصحراوي ، وهو ما يستدعي التدخل من أجل الحفاظ على أصالة هذا الفن المهدد بالزوال. ويتطلع الممارسون والمهتمون بهذا الفن الشعبي الذي يختزل ثقافة الإنسان الصحراوي في تقاطعها مع ثقافات أخرى مجاورة، الى تنظيم مهرجان خاص بهذه الرقصة بجهة كلميم وادي نون من اجل العناية بهذا الموروث الفني ورد الاعتبار له وضمان تجدده في إطار الحفاظ على مقوماته الأصيلة مع الحرص على تكريم ممارسيه ورواده . ويجمع الباحثون في التراث الشعبي أن رقصة "الكدرة " التي تصارع من أجل البقاء في ظل التحولات الاجتماعية والثقافية التي يعرفها المجتمع، استمدت تسميتها من الآلة الموسيقية الايقاعية ، وهي عبارة عن جرة من الطين تغلق فوهتها بقطعة من الجلد، وعلى إيقاع معين يتم الضرب عليها بواسطة قضيبين يطلق عليهما اسم "لمغازل" فيحدث ذلك إيقاعا موسيقيا متناغما تواكبه عملية تصفيق جماعية مستمرة. ويرى الباحث ابراهيم الحيسن في مؤلفه "رقص...

لخطوات المنهجية لدراسة كتاب (قــراءة في كتاب)

الدراســـة الظاهرية :وتشمل تقديما للمظهر الخارجي للكتاب من خلال العناصر التالية  : ¤ الإسم الكامل للمؤلف ¤ عنوان الكتاب ¤ عدد الصفحات ¤ حجم الكتاب (الطول،العرض،السمك،الحجم)(كبير،قصير،متوسط ) ¤ دار ومكان النشر والطبعة ¤ الوصف الخارجي للكتاب ( الواجهة الأمامية والخلفية من حيث اللون والبساطة) والتعقيد ) ¤ محتوى الكتاب(عدد الأقسام ، أو الفصول ،والعناصر الجزئية في كل فصل ) ¤ المصادر والمراجع (ذكر أهم المصادر والمراجع التي إعتمد عليها المؤلف كثيرا 2/ دراســـة الباطنية :وتشمل نقد للأفكار والأسلوب من خلال العناصر التالية : ¤ التعريف بالمؤلف ¤ ملخص عام حول محتوى الكتاب ¤ نقد الأفكار والأسلوب ¤ أهمية وقيمة الكتاب ¤ آراء مختلفة حول المؤلف والكتاب هذه منهجية القراءة في الكتاب وأرجوا منكم إتباعها وهذا بعد الإنتهاء من مطالعة أي كتاب وتأكد أنك إذا إتبعت هذه المنهجية فإنك لن تنسى محتوى هذا الكتاب ضف إلى ذلك أنك قمت بتثمين مطالعتك من خلال قيامك بإتباع الخطوات المنهجية للقراءة في الكتاب وهذا بعد أن وضعت بطاقة فنية للكتاب وقمت بنقد أفكاره وأسلوبه .......الخ