التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الباحث إبراهيم الحيسن في مؤلفه "رقصة الكدرة ..الطقوس والجسد", فن الكدرة و الهرمة,




تعتبر رقصة "الكدرة " أحد التعبيرات الفنية الايقاعية التي كانت تمارس بشكل واسع بالصحراء وتحديدا بمنطقة وادي نون، غير أنها أضحت من وسائل الطرب النادرة في المجتمع الصحراوي ، وهو ما يستدعي التدخل من أجل الحفاظ على أصالة هذا الفن المهدد بالزوال.

ويتطلع الممارسون والمهتمون بهذا الفن الشعبي الذي يختزل ثقافة الإنسان الصحراوي في تقاطعها مع ثقافات أخرى مجاورة، الى تنظيم مهرجان خاص بهذه الرقصة بجهة كلميم وادي نون من اجل العناية بهذا الموروث الفني ورد الاعتبار له وضمان تجدده في إطار الحفاظ على مقوماته الأصيلة مع الحرص على تكريم ممارسيه ورواده .

ويجمع الباحثون في التراث الشعبي أن رقصة "الكدرة " التي تصارع من أجل البقاء في ظل التحولات الاجتماعية والثقافية التي يعرفها المجتمع، استمدت تسميتها من الآلة الموسيقية الايقاعية ، وهي عبارة عن جرة من الطين تغلق فوهتها بقطعة من الجلد، وعلى إيقاع معين يتم الضرب عليها بواسطة قضيبين يطلق عليهما اسم "لمغازل" فيحدث ذلك إيقاعا موسيقيا متناغما تواكبه عملية تصفيق جماعية مستمرة.

ويرى الباحث ابراهيم الحيسن في مؤلفه "رقصة الكدرة ..الطقوس والجسد"، أن هذه الرقصة التي أفرزتها شروط سوسيو ثقافية متنوعة، تعتمد بالأساس خطاب الجسد موضوع الايماءة ومر كز الرؤية ومصدر الحركة في الفضاء وتقدمه ، في أهم تمفصلاته وتمظهراته ضمن سياقات كوريغرافية كثيرة ومتنوعة يتكامل فيها الديني والجمالي والميتافيزيقي والاسطوري بل وتقوم على سيميائية الرقص الفردي داخل حوار جماعي يعج بالكلمة والنغمة والحركة والقول الشعري.

وتعتمد هذه الرقصة التي هي من اختصاص النساء، توظيف الجسد داخل فضاء يتوسطه رجل يسمى "النكار" يتولى مهمة الضرب على الأداة الموسيقية "الكدرة " لإحداث الإيقاع المطلوب ، كما يضطلع بمهمة توجيه باقي أفراد المجموعة وإثارة انتباههم إلى الخلل الذي قد يحدث أثناء عملية الإنشاد. وقد تضيق الحلقة الدائرية أو "الكارة " التي يتمركز بها "النكار" مثلما قد تتسع وذلك حسب عدد المشاركين في الأداء الجماعي المميز لهذه الرقصة الشعبية .
وتمثل الراقصة أو "الركاصة " في هذا المشهد الاحتفالي التي تكون غالبا فتاة أو مطلقة وفي حالات نادرة امرأة متزوجة عنصرا أساسيا إذ تتكلف سيدة بإحضارها بعد إعدادها وحثها بعدم فتح أعينها سوى بالقدر الذي يمكنها من رؤية ما بحولها، ثم تبدأ في عملية الرقص بتحريك الاصابع في انسجام مع حركات الاذرع والتلويح بضفائر الشعر في حين يظل باقي أفراد المجموعة في أماكنهم ويتدافعون بأكتافهم يمينا ويسارا في ما يعرف بÜ" التداويح " وذلك حسب تحرك الراقصة نحوهم التي تقوم بتحريك الأصابع وتقليب الكفين، أما "النكار " فتفرض الرقصة عليه التحرك وسط الدائرة لكن بهدوء لكي يظل مقابلا للراقصة ولآلته الموسيقية.

ويرى الحيسن في المؤلف ذاته أن هذه الرقصة تستغرق مجموعة من الجولات الإيقاعية، وكل جولة تمثل إنشاد ثلاث حمøóايات وفق إيقاع لحني يبدأ انفراديا ويتصاعد لينخرط في أدائه باقي أفراد المجموعة، وقد يطول إنشاد الحóمøóاية أو يقصر تبعا لقدرة الراقصة على الاستمرار في الرقص. ، وتختتم كل جولة بعملية "أهوتش " وهي تعبير عن بلوغ جولة الرقص مداها النهائي.

ويجمع الباحثون في التراث الحساني على أن "الحمايات" التي يتم ترديدها أثناء عملية الرقص يغلب عليها طابع الغزل وغالبا ما تكون الراقصة هي المعنية بهذا الموضوع لمناجاتها. ويرى عدد من الباحثين أن رقصة "الكدرة " لا تقتصر على المظهر الاحتفالي بل تختزل في عمقها تجليات مرتبطة بالتصوف.

وفي هذا السياق، يرى إبراهيم الحيسن أن "الحمايات" التي يتم خلالها ترديد مجموعة من الأدعية والأهازيج الشجية والتي تملأ النفس بمواجيد الحماس والشعور بالروح الجماعية ضمن أنساق مقامية متواترة الرجات والإيقاعات، تحفل بمفاهيم ومعان دينية يراد منها طلب العفو والمغفرة من الله ليقيهم شر العقاب من نار جهنم.

وأضاف الحيسن أن الراقصة في هذا الفن الإبداعي ترسم بجسدها نوعا من الوجد الصوفي يساعدها في ذلك الحركة والصوت باعتبارهما عنصرين أساسيين لوصول حالة الوجد وبلوغ الحقيقة الإلهية حيث تفقد (أي الراقصة) إحساسها بالعالم المادي وتنسى جسدها الذي لم يعد ملكا لها لتنخرط في عالم روحاني غامض يصعب فهمه وتفسيره في الكثير من الأحيان.

ومما لاشك فيه أن إرساء دعائم تظاهرة سنوية تعنى برقصة الكدرة ضمن المواعيد الثقافية والفنية بجهة كلميم وادي نون من شأنه اذكاء روح التنافس بين الفرق الممارسة على ابراز قوة الابداع والمساهمة في خلق أجيال من الممارسين والممارسات لهذا الفن الاصيل والمتميز ، وتحصين خصوصياته وتوثيقه وضمان إشعاعه وتوفير سبل استمراريته .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فم الحصن)ايمي اكادير(

اسم المكان   : فم الحصن ) ايمي اكادير ( و تعني اصطلاحا مدخل السور و قد يرجع أصل التسمية حسب الرواية الشفوية إلى كون المدينة قديما تحت حصانة السور يحيط بها من جميع الجهات و لها مدخل واحد  . تحديد الجغرافي للمدينة   : ينتمي فم الحصن إلى الجنوب الشرقي للمغرب جهة سوس ماسة درعة إقليم طاطا  , تقدر مساحة المدينة بحوالي 40 كلم مكعب   بحيث يحدها من الجنوب الحدود الجزائرية و من الغرب مدينة أسا و شرقا مدينة طاطا ثم شمالا سلسلة جبال باني  . تتميز المنطقة بمناخ شبه قار , جاف و حار صيفا و بارد و جاف شتاءا  . تصل دراجة الحرارة صيفا إلى 49° و شتاءا 12° دنيا . يتمييز مجال فم الحصن بتنوع للوحدات التضاريسية فهو يمثل حلقة وصل بين الصحراء وجبال الأطلس . نبرة تاريخية عن المدينة   : تتألف المدينة من قبائل الامازيغية و أخرى عربية صحراوية ) ايت سلام و ايت امريبط ( قادمة من المشرق إضافة إلى العنصر الأفريقي   الذي كان متواجد مند القدام حسب الدراسات الاركيولوجيا ) على لسان الاستاذ ذ  . بوعجاجة ( , لتفرز تركيبة بشرية حضارية تتميز بالتنوع...

لخطوات المنهجية لدراسة كتاب (قــراءة في كتاب)

الدراســـة الظاهرية :وتشمل تقديما للمظهر الخارجي للكتاب من خلال العناصر التالية  : ¤ الإسم الكامل للمؤلف ¤ عنوان الكتاب ¤ عدد الصفحات ¤ حجم الكتاب (الطول،العرض،السمك،الحجم)(كبير،قصير،متوسط ) ¤ دار ومكان النشر والطبعة ¤ الوصف الخارجي للكتاب ( الواجهة الأمامية والخلفية من حيث اللون والبساطة) والتعقيد ) ¤ محتوى الكتاب(عدد الأقسام ، أو الفصول ،والعناصر الجزئية في كل فصل ) ¤ المصادر والمراجع (ذكر أهم المصادر والمراجع التي إعتمد عليها المؤلف كثيرا 2/ دراســـة الباطنية :وتشمل نقد للأفكار والأسلوب من خلال العناصر التالية : ¤ التعريف بالمؤلف ¤ ملخص عام حول محتوى الكتاب ¤ نقد الأفكار والأسلوب ¤ أهمية وقيمة الكتاب ¤ آراء مختلفة حول المؤلف والكتاب هذه منهجية القراءة في الكتاب وأرجوا منكم إتباعها وهذا بعد الإنتهاء من مطالعة أي كتاب وتأكد أنك إذا إتبعت هذه المنهجية فإنك لن تنسى محتوى هذا الكتاب ضف إلى ذلك أنك قمت بتثمين مطالعتك من خلال قيامك بإتباع الخطوات المنهجية للقراءة في الكتاب وهذا بعد أن وضعت بطاقة فنية للكتاب وقمت بنقد أفكاره وأسلوبه .......الخ